*المقدمة*
في عالم يتسارع فيه كل شيء، ويتجدد صباح مساء ترفه وتفاهته، تظل تزكية النفس منارة تضيء دروب السائرين نحو الحق والخير لأنها رحلة داخلية نحو المقام الأسمى، حيث يسعى الفرد لتطهير قلبه وتصفية روحه من الشوائب، ولما كانت النفس مرآة الفرد، فإن تزكيتها تسهم في تشكيل المجتمع، إذ كلما ارتقى الأفراد ارتقى المجتمع معهم، وعليه سنستكشف أهمية تزكية النفس من خلال آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيكون هذا المقال مدخلاً لمجموعة من المقالات تحت عنوان “في رحاب النفس: أبعاد التزكية والرقائق”.
*أهمية تزكية النفس*
تتجلى أهمية تزكية النفس في عدة جوانب، بدءًا من الأثر النفسي العميق الذي تتركه على الفرد، لأن التزكية أساسا تعيد تشكيل الروح، فتزرع فيها بذور الطمأنينة والسعادة، يقول الله تعالى: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28)، فهي دعوة للنفوس المتعبة كي تجد في الإيمان ملاذًا وراحة، كما أن تزكية النفس تسهم في تنمية الأخلاق الفاضلة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فالأخلاق الطيبة هي نتاج طبيعي لتزكية النفس.
عندما يزكي الفرد نفسه، يُصبح أكثر صدقًا وتسامحًا، مما يعزز من علاقاته مع الآخرين.
وبموازاة ذلك تساهم أيضا التزكية في تحسين العلاقات الاجتماعية، فالإنسان المتزكي يسعى إلى بناء مجتمع قائم على المحبة والتعاون .
*اهتم أهل العلم بالنفس ومعالجة آفاتها لعدة أسباب أهمها:*
أهمية النفس في القرآن: يقول الله تعالى في سورة الشمس: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (الشمس: 7-10). هذه الآيات تؤكد على مكانة النفس وأهمية تزكيتها.
تزكية النفس كغاية نبويّة: قال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } (الجمعة: 2). هذه الآية توضح أن تزكية النفوس كانت من ركائز دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
صلاح القلب وارتباطه بالجسد: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) (رواه البخاري، هذا الحديث يبرز أهمية القلب وتأثيره على الجسد.
النجاة يوم القيامة: يقول تعالى: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء: 88-89). يوضح هذا أن الفلاح في الآخرة مرتبط بسلامة القلب.
تقييم الله للعباد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (رواه مسلم). يشير هذا الحديث إلى أن التقييم عند الله يعتمد على ما في القلوب.
الانشغال بمعرفة النفس: قال سهل بن عبد الله: “معرفة النفس أخفى من معرفة العدو”، مما يدل على أهمية فهم النفس ومعرفة عيوبها.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: من دعوات النبي: (اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي) (رواه أبو داود). هذا يعكس أهمية الاستعانة بالله في إصلاح النفس.
وختاما:-
تزكية النفس ليست مجرد مفهوم روحي، بل هي ضرورة حياتية تشكل الشخصية الإنسانية لأنها طريق يمر عبر نهر من التحديات، لكن نتائجه تعود بالنفع على الفرد والمجتمع على حد سواء، فلنتعهد جميعًا بالسير في هذا الطريق، مستنيرين بنور الإيمان ومرشدين بقيم الأخلاق، إن رحلة التزكية هي الجسر نحو عالم أفضل، حيث يتجلى السلام والاحترام في كل زاوية من زوايا الحياة وفي هذا الإطار ندعوكم لمتابعة سلسلة مقالاتنا القادمة في “في رحاب النفس: أبعاد التزكية والرقائق”، لاستكشاف المزيد من جوانب هذه الرحلة العظيمة، فالسعادة الخقيقية التي يبحثها الانسان ترتبط بمفهوم التزكية بامثال الطاعة واجتناب المعاصي ، سَعِدَ الذِيْنَ تَجَنَّبُوا سُبُلَ الرَّدَى … وَتَيَمًّمُوْا لِمَنَازِل الرِّضْوَانِ
عززَفُوا القُلُوبَ عَنِ الشَّوَاغِلِ كُلِّها … قَدْ فَرَّعُوهَا مِن سِوَى الرَّحْمانِ
محبكم/ عبد الله حنبلي الحاج عبدي
اسطنبول – تركيا
يتبع